فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى تكلم في أول السورة في أحكام الأموال وختم آخرها بذلك ليكون الآخر مشاكلًا للأول، ووسط السورة مشتمل على المناظرة مع الفرق المخالفين للدين.
قال أهل العلم: إن الله تعالى أنزل في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي في أول هذه السورة، والأخرى في الصيف وهي هذه الآية، ولهذا تسمى هذه الآية آية الصيف وقد ذكرنا أن الكلالة اسم يقع على الوارث وعلى الموروث، فإن وقع على الوارث فهو من سوى الوالد والولد، وإن وقع على الموروث فهو الذي مات ولا يرثه أحد الوالدين ولا أحد من الأولاد، ثم قال: {إِن امرؤ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} ارتفع امرؤ بمضمر يفسره الظاهر، ومحل {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} الرفع على الصفة، أي إن هلك امرؤ غير ذي ولد.
واعلم أن ظاهر هذه الآية فيه تقييدات ثلاث: الأول: أن ظاهر الآية يقتضي أن الأخت تأخذ النصف عند عدم الولد، فأما عند وجود الولد فإنها لا تأخذ النصف، وليس الأمر كذلك، بل شرط كون الأخت تأخذ النصف أن لا يكون للميت ولد ابن، فإن كان له بنت فإن الأخت تأخذ النصف.
الثاني: أن ظاهر الآية يقتضي أنه إذا لم يكن للميت ولد فإن الأخت تأخذ النصف وليس كذلك، بل الشرط أن لا يكون للميت ولد ولا والد، وذلك أن الأخت لا ترث مع الوالد بالإجماع.
الثالث: أن قوله: {وَلَهُ أُخْتٌ} المراد منه الأخت من الأب والأم، أو من الأب، لأن الأخت من الأم والأخ من الأم قد بيّن الله حكمه في أول السورة بالإجماع. اهـ.

.قال ابن عاشور:

لا مناسبة بين هذه الآية وبين اللاّتي قبلها، فوقوعها عقبها لا يكون إلاّ لأجْل نزولها عقب نزول ما تقدّمها من هذه السورة مع مناسبتها لآية الكلالة السابقة في أثناء ذكر الفرائض؛ لأنّ في هذه الآية بيانًا لحقيقة الكلالة أشار إليه قوله تعالى: {ليس له ولد}، وقد تقدّم في أوّل السّورة أنَّه ألحق بالكلالة المالك الّذي ليس له والد، وهو قول الجمهور ومالك بن أنس.
فحكُم الكلالة قد بيّن بعضه في آية أول هذه السورة، ثمّ إنّ النّاس سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صورة أخرى من صور الكلالة.
وثبت في الصحيح أنّ الذي سأله هو جابر بن عبد الله قال: عادني رسول الله وأبُو بكر ماشيين في بني سَلِمة فوجداني مغمى عليّ فتوضّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبّ عليّ وَضوءه فأفقتُ وقلت: كيف أصنع في مالي فإنَّما يرثني كلالة.
فنزل قوله تعالى: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} الآية.
وقد قيل: إنّها نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متجهّز لحجّة الوداع في قضية جابر بن عبد الله.
فضمير الجماعة في قوله: {يستفتونك} غير مقصود به جمع، بل أريد به جنس السائلين، على نحو: ما بال أقوام يشترطون شروطًا وهذا كثير في الكلام.
ويجوز أن يكون السؤال قد تكرّر وكان آخرُ السائلين جابرَ بن عبد الله فتأخّر الجواب لمن سأل قبله، وعُجّل البيان له لأنّه وقتُ الحاجة لأنّه كان يظنّ نفسه ميّتًا من ذلك المرض وأراد أن يوصي بماله، فيكون من تأخير البيان إلى وقت الحاجة.
والتعبير بصيغة المضارع في مادة السؤال طريقة مشهورة، نحو: {يسألونك عن الأهلّة} [البقرة: 189]، {ويسألونك ماذا ينفقون} [البقرة: 219].
لأنّ شأن السؤال يتكرّر، فشاع إيراده بصيغة المضارع، وقد يغلب استعمال بعض صيغ الفعل في بعض المواقع، ومنه غلبة استعمال المضارع في الدعاء في مقام الإنكار: كقول عائشة يرحم الله أبا عبد الرحمن. تعني ابن عمر.
وقولهم: يغفر الله له.
ومنه غلبة الماضي مع لا النافية في الدعاء إذا لم تكرّر لا؛ نحو فَلا رَجَع.
على أنّ الكلالة قد تكرّر فيها السؤال قبل نزول الآية وبعدها.
وقد قال عمر بن الخطّاب: ما راجعتُ رسول الله في شيء مراجعتي إيَّاه في الكلالة، وما أغلظ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما أغلظ لي فيها حتّى طعن في نحري، وقال: «يكفيك آية الصيف الّتي في آخر سورة النساء» وقوله: {في الكلالة} يتنازعه في التعلّق كلّ من فعل {يستفتونك} وفعل {يفتيكم}.
وقد سمّى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية بآية الصيف، وعُرِفت بذلك، كما عُرفت آية الكلالة التي في أوّل السورة بآية الشتاء، وهذا يدلّنا على أنّ سورة النّساء نزلت في مدّة متفرّقة من الشتاء إلى الصيف وقد تقدّم هذا في افتتاح السورة.
وقد روي: أنّ هذه الآية في الكلالة نزلت في طريق حجّة الوداع، ولا يصحّ ذلك لأنّ حجّة الوداع كانت في زمن البرد لأنّه لا شكّ أنّ غزوة تبوك وقعت في وقت الحرّ حين طابت الثّمار، والنّاس يحبّون المقام في ثمارهم وظلالهم، وذلك يقتضي أن تكون غزوة تبوك في نحو شهر أغسطس أو اشتنبر وهو وقت طيب البسر والرطب، وكانت سنة تسع وكانت في رجب ونزل فيها قوله تعالى: {وقالوا لا تَنفِروا في الحرّ} [التوبة: 81].
ثم كانت حجّة أبي بكر في ذي القعدة من تلك السنة، سنة تسع، وذلك يوافق دجنبر.
وكان حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع في ذي الحجّة من سنة عشر فيوافق نحو شهر دجنبر أيضًا.
وعن عمر بن الخطّاب: أنَّه خطب فقال: ثلاث لو بيَّنَها رسول الله لكان أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها: الجَدّ. والكلالةُ، وأبوابُ الرّبا.
وفي رواية والخِلافة.
وخطب أيضًا فقال: والله إنّي ما أدع بعدي شيئًا هو أهمّ إليّ من أمر الكلالة.
وقال في مجمع من الصحابة: لأقضينّ في الكلالة قضاء تتحدّث به النّساء في خدورها.
وأنّه كتب كتابًا في ذلك فمكث يستخير الله فيه، فلمّا طعن دعا بالكتاب فمحاه.
وليس تحيّر عمر في أمر الكلالة بتحيْر في فهم ما ذكره الله تعالى في كتابه ولكنّه في اندراج ما لم يذكره القرآن تحت ما ذكره بالقياس.
وقد ذكر القرآن الكلالة في أربع آيات: آيتَيْ هذه السورة المذكور فيها لفظ الكلالة، وآية في أوّل هذه السورة وهي قوله: {فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث} [النساء: 11].
وآية آخر الأنفال (75) وهي قوله: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} في كتاب الله عند من رأى توارث ذوي الأرحام.
ولا شكّ أنّ كلّ فريضة ليس فيها ولد ولا والد فهي كلالة بالاتّفاق، فأمّا الفريضة التي ليس فيها ولد وفيها والد فالجمهور أنَّها ليست بكلالة.
وقال بعض المتقدّمين: هي كلالة.
وأمَره بأن يجيب بقوله: {الله يفتيكم} للتنويه بشأن الفريضة، فتقديم المسند إليه للاهتمام لا للقصر، إذ قد علم المستفتون أنّ الرسول لا ينطق إلاّ عن وحي، فهي لمّا استفتوه فإنّما طلبوا حكم الله، فإسناد الإفتاء إلى الله تنويه بهذه الفريضة.
والمراد بالأخت هنا الأخت الشقيقة أو الَّتي للأب في عدم الشقيقة بقرينة مخالفة نصيبها لنصيب الأخت للأمّ المقصودة في آية الكلالة الأولى، وبقرينة قوله: {وهو يرثها} لأنّ الأخ للأمّ لا يرث جميع المال إن لم يكن لأخته للأمّ ولد إذ ليس له إلاّ السدس.
وقوله: {إن امرؤ هلك} تقديره: إن هلك امرؤ، فامرؤ مخبَر عنه بـ {هلَكَ} في سياق الشرط، وليس (هَلَك) بوصف لـ (امرؤ) فلذلك كان الامرؤ المفروض هنا جنسًا عامًّا. اهـ.

.قال الألوسي:

{يَسْتَفْتُونَكَ} أي في الكلالة استغنى عن ذكره لوروده في قوله تعالى: {قُلِ الله يُفْتِيكُمْ في الكلالة} والجار متعلق بـ {يُفْتِيكُمْ}، وقال الكوفيون: بـ {يَسْتَفْتُونَكَ} وضعفه أبو البقاء بأنه لو كان كذلك لقال يفتيكم فيها في الكلالة، وقد مر تفسير الكلالة في مطلع السورة، والآية نزلت في جابر بن عبد الله كما أخرجه عنه ابن أبي حاتم وغيره.
{إن مَنْ هَلَكَ} استئناف مبين للفتيا، وارتفع {امرؤ} بفعل يفسره المذكور على المشهور، وقوله تعالى: {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} صفة له ولا يضر الفصل بالمفسر لأنه تأكيد، وقيل: حال منه، واعترض بأنه نكرة، ومجئ الحال منها خلاف الظاهر إذ المتبادر في الجمل الواقعة بعد النكرات أنها صفات، وقال الحلبي: يصح كونه حالًا منه؛ و{هَلَكَ} صفة له، وجعله أبو البقاء حالًا من الضمير المستكن في {هَلَكَ}، وقيل عليه: إن المفسر غير مقصود حتى ادعى بعضهم أنه لا ضمير فيه لأنه تفسير لمجرد الفعل بلا ضمير، وإن ردّ بقوله تعالى: {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ} [الإسراء: 100]، وقال أبو حيان: الذي يقتضيه النظر أن ذلك ممتنع، وذلك لأن المسند إليه في الحقيقة إنما هو الاسم الظاهر المعمول للفعل المحذوف فهو الذي ينبغي أن يكون التقييد له، أما الضمير فإنه في جملة مفسرة لا موضع لها من الإعراب فصارت كالمؤكدة لما سبق، وإذا دار الاتباع والتقييد بين مؤكد ومؤكد فالوجه أن يكون للمؤكد بالفتح إذ هو معتمد الإسناد الأصلي ووافقه الحلبي، وقال السفاقسي: الأظهر أن هذا مرجح لا موجب، والمراد من الولد على ما اختاره البعض الذكر لأنه المتبادر ولأن الأخت وإن ورثت مع البنت عند غير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والإمامية لكنها لا ترث النصف بطريق الفرضية، وتعقبه بعض المحققين مختارًا العموم بأنه تخصيص من غير مخصص، والتعليل بأن الابن يسقط الأخت دون البنت ليس بسديد لأن الحكم تعيين النصف، وهذا ثابت عند عدم الابن والبنت غير ثابت عند وجود أحدهما، أما الابن فلأنه يسقط الأخت، وأما البنت فلأنها تصيرها عصبة فلا يتعين لها فرض، نعم يكون نصيبها مع بنت واحدة النصف بحكم العصوبة لا الفرضية فلا حاجة إلى تفسير الولد بالابن لا منطوقًا ولا مفهومًا، وأيضًا الكلام في الكلالة وهو من لا يكون له ولد أصلًا وكذا ما لا يكون له والد إلا أنه اقتصر على عدم ذكر الولد ثقة بظهور الأمر والولد مشترك معنوي في سياق النفي فيعم، فلابد للتخصيص من مخصص وأنى به؟ فليفهم.
وقوله تعالى: {وَلَهُ أُخْتٌ} عطف على {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} ويحتمل الحالية، والمراد بالأخت الأخت من الأبوين والأب لأن الأخت من الأم فرضها السدس، وقد مر بيانه في صدر السورة الكريمة [النساء: 12].
{فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} أي بالفرض والباقي للعصبة، أو لها بالردّ إن لم يكن له عصبة، والفاء واقعة في جواب الشرط. اهـ. باختصار يسير.
قوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَا وَلَدٌ}

.قال الفخر:

{وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَا وَلَدٌ} يعني أن الأخ يستغرق ميراث الأخت إذا لم يكن للأخت ولد، إلاّ أن هذا الأخ من الأب والأم أو من الأب، أما الأخ من الأم فإنه لا يستغرق الميراث. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {وهو يرثها} يعود الضمير فيه على لفظ (امرؤ) الواقع في سياق الشرط، المفيد للعموم: ذلك أنَّه وقع في سياق الشرط لفظ (امرؤ) ولفظ (أخ) أو (أخت)، وكلّها نكرات واقعة في سياق الشرط، فهي عامّة مقصود منها أجناس مدلولاتها، وليس مقصودًا بها شخص معيّن قد هلك، ولا أخت معيّنة قد ورثت، فلمّا قال: {وهو يرثها} كان الضمير المرفوع راجعًا إلى (امرؤ) لا إلى شخص معيّن قَد هلك، إذ ليس لمفهوم اللفظ هنا فرد معيّن فلا يشكل عليك بأنّ قوله: {امرؤ هلك} يتأكّد بقوله: {وهو يرثها} إذ كيف يصير الهالك وارثًا.
وأيضًا كان الضمير المنصوب في يرثها عائدًا إلى مفهوم لفظ أخت لا إلى أخت معيّنة، إذ ليس لمفهوم اللّفظ هنا فرد معيّن، وعلم من قوله: {يرثها} أنّ الأخت إن توفّيت ولا ولد لها يرثها أخوها، والأخ هو الوارث في هذه الصورة، وهي عكس التي قبلها.
فالتقدير: ويرث الأختَ امرؤ إن هلكت أخته ولم يكن لها ولد.
وعلم معنى الإخوة من قوله: {وله أخت}، وهذا إيجاز بديع، ومَع غاية إيجازه فهو في غاية الوضوح، فلا يشكل بأنّ الأخت كانت وارثة لأخيها فكيف عاد عليها الضمير بأن يرثها أخوها الموروث، وتصير هي موروثة، لأنّ هذا لا يفرضه عالم بالعربية، وأنَّما يُتوهّم ذلك لو وقع الهلك وصفًا لامرىء؛ بأن قيل: المرء الهالك يرثه وارثه وهو يرث وارثه إن مَات وارثه قبله.
والفرق بين الاستعمالين رشيق في العربية. اهـ.